بينما لا يزال الإماراتيون يشيعون الشهيد تلو الشهيد في مشهد أُريد له أن يصبح "طبيعيا" و "روتينيا" وجزءا من حياة الشعب الإماراتي في واقعه ومستقبله، ومع تواتر مشاركة قوات التحالف وقواتنا المسلحة في الحرب البرية ضد الحوثيين، تكشف صحيفة "الحياة" السعودية اليوم(15|9) عن إرسال لواء عسكري من الجيش الإماراتي بكامل عتاده العسكري إلى مأرب. ويتراوح عدد اللواء عادة من 3000-5000 جندي وضابط وضابط صف.
فلم يكد يستوعب الإماراتيون حجم المأساة التي حلت بالشعب الإماراتي كله، وبعشرات ومئات العائلات على نحو خاص بعد اعتداء "الجمعة السوداء" (4|9) حتى يكتشف الإماراتيون وكالعادة بتسريبات إعلامية إقليمية وليس عبر الإعلام الإماراتي الرسمي أو حتى الأهلي منه إرسال هذا العدد الكبير من قواتنا إلى مأرب تحديدا.
كشفُ "الحياة" عن إرسال اللواء الإماراتي يؤكد أن منطق الشفافية لا يزال بعيدا عن المؤسسات والشخصيات المعنية بهذا الملف الذي يستنزف الشعب والدولة بشريا واقتصاديا. كما يؤكد أن القوات المسلحة لم تستخلص العبر الكافية من تسريب صحيفة "الشرق الأوسط" لنبأ مشابه قبل اعتداء مأرب بنحو أسبوعين، عندما أكدت "الشرق الأوسط" وتكتم إعلامنا الرسمي عن وصول قوة إماراتية إلى هناك. و قد عزا خبراء عسكريون أن الكشف عن وصول قوة إماراتية إلى مأرب ساهم في زيادة حجم الخسائر البشرية التي أصابت جنودنا في الاعتداء الأخير.
كان متوقعا أن يتم استخلاص العبر من "الشرق الأوسط" وعدم تكرار ذلك سواء لجهة التنسيق بين قوات التحالف للاتفاق على نشر معلومات محددة من جهة موحدة و أن تتعامل القوات المسلحة بشفافية مع الإماراتيين فتعلن هي عن إرسال اللواء، ولماذا أرسلته وما هي المهام العسكرية التي سيقوم بها، وغيرها من حقائق ومعلومات من حق الإماراتيين أن يعرفوها خاصة وأنهم يترقبون عودة ذويهم من اليمن عشية عيد الأضحى لا بإرسال المزيد من أبنائنا إلى هناك.
ويتساءل الإماراتيون هل ثمن قرار إعادة المجندين من اليمن وعدم إرسال آخرين منهم، هو استبدالهم بآبائهم أو إخوانهم أو أعمامهم أو أعزائهم عموما. الإماراتيون يطالبون بعدم إرسال أي جندي خارج حدود الوطن في أي مهمة عسكرية أو شبه عسكرية لا إلى اليمن ولا إلى غيرها. إذا أرادت الدولة الاستمرار في عمليات التحالف فليكن عبر سلاح الجو.
وغني عن التأكيد أن تحسب الإماراتيين من الحرب البرية لا يرتبط بشجاعة، كما اكتشف رئيس تحرير صحيفة "الإمارات اليوم" أن الشعب الإماراتي شعب شجاع بعد شهداء الإمارات فقط. المسألة فنية وتقنية تماما لا تحتمل المكابرة والعبث بعواطف الشعب.
ويستنكر الإماراتيون مزاعم وزير الشؤون الخارجية أنور قرقاش للإعلام الرسمي المحلي أنه "لا حاجة لإرسال المزيد من القوات إلى اليمن"، في الوقت الذي كانت "الفرمانات" العسكرية تصدر بإرسال هذا اللواء إلى مأرب تحديدا، معتبرين أن قرقاش ساهم في تضليلهم لا في تضليل المتمردين، إن كان هناك من سيدعي أن التصريحات كانت للتغطية على إرسال المزيد من القوات، لأنه لو كان الهدف حماية أمن قواتنا لما كشفت "الحياة" ومن قبلها "الشرق الأوسط" سير تحرك القوات كون ذلك من الأسرار العسكرية المنوطة بالجيش الإماراتي فقط.
الحرب إن فتحت أبوابها فإنها لا تغلق أبدا، والتطورات في اليمن وسير المعارك غير واضح تماما لأن من لا يصارح الشعب في إرسال لواء أو يتأخر حتى الأعلان عن أسماء الشهداء نحو 10 أيام، فإن بياناته عن سير المعارك ستظل محل تساؤل على الأقل ولجوء الإماراتيين للبحث عن مصادر أخرى وهذا المناخ هو ما يولد الشائعات ويسمح بوصول دعاية العدو إلى جبهتنا الداخلية، التي عانت كثيرا جراء القرارات المفاجئة التي يدفعون ثمنها أرواح ودماء وأشلاء أعزائهم.
وإذا لم يتأكد استخلاص القوات المسلحة العبرة من نشر الإعلام الخارجي أسرار عسكرية إماراتية وتتحسب لذلك وتمنعه، فهل استخلصت العبر من اعتداء مأرب الذي أكد خبراء عسكريون أن المعسكر الذي استهدفه المتمردون كان "ساقطا عسكريا وأمنيا" ومع ذلك لم يتخذ القادة الاحتياطات الأمنية اللازمة لحفظ أمن قواتنا ما أدى إلى فاجعة الجمعة السوداء. يخشى الإماراتيون أن استخلاص العبر من مشاركة قواتنا في حرب اليمن لم ينضج بعد لا على شكل استنتاجات ولا توصيات فضلا عن تجنب الوقوع مجددا في كوارث القرارات الانفعالية والارتجالية التي باتت توصف بها قرارات مسؤولين تنفيذيين وعسكريين في الدولة وفق ما يقوله ناشطون إماراتيون.