أحدث الأخبار
  • 12:44 . عبدالله بن زايد يبحث مع نظيرته الهولندية "التطورات الخطيرة" في المنطقة... المزيد
  • 12:43 . واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر... المزيد
  • 11:55 . "شعاع كابيتال" تعلن توصلها لاتفاق مع حملة السندات... المزيد
  • 10:53 . "مصدر" تتجه للاستثمار في ليبيا ضمن برنامج لتصدير 10 جيجاواط... المزيد
  • 10:52 . صواريخ "مجهولة" تستهدف مقرا عسكريا للحشد الشعبي وسط العراق... المزيد
  • 10:51 . أسعار النفط على استقرار في ختام تداولات الأسبوع... المزيد
  • 10:51 . أتلتيك بلباو يفرط في فرصة الاقتراب من المربع الذهبي بالدوري الإسباني... المزيد
  • 10:48 . السوداني: العراق لن يكون منطلقاً للاعتداء على تركيا وزيارة أردوغان ليست عابرة... المزيد
  • 11:00 . بعد الخسارة أمام اليابان.. "الأبيض الأولمبي" يفقد آماله بالوصول إلى أولمبياد باريس... المزيد
  • 09:20 . وزير الخارجية الإيراني: الهجوم الإسرائيلي على أصفهان لم يخلف أي خسائر... المزيد
  • 08:47 . حاكم الشارقة يوجه بحصر وتقييم الأضرار الناجمة عن "التأثيرات الجوية"... المزيد
  • 08:35 . عقوبات أوروبية وأميركية على مستوطنين إسرائيليين متطرفين... المزيد
  • 07:14 . قيادي بحماس: "العدوان الإسرائيلي" على إيران تصعيد ضد المنطقة... المزيد
  • 07:13 . الهجوم على إيران.. الإمارات تدعو لضبط النفس وتجنب التصعيد... المزيد
  • 11:48 . حملة دولية: قانون الجرائم الإلكترونية ومكافحة الإرهاب يقيد حرية التعبير... المزيد
  • 11:46 . "وول ستريت جورنال": إدارة بايدن تسعى لتطبيع "سعودي إسرائيلي" مقابل دولة فلسطينية... المزيد

دروس وعبر المشهد السوداني

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 10-08-2019

دروس وعبر المشهد السوداني | القدس العربي

يمثل السودان في هذه اللحظة أنموذجا في العمل السياسي الجماهيري، يستحق أن يشار إليه بالفخر والاعتزاز من جهة، وبالإشارة إلى المثالب من جهة أخرى. فذلك الحراك الجماهيري المبهر، حافظ على سلميته، على الرغم من كل الاستفزازات التي أرادت إدخاله في حلقة العنف، واتصف بالنفس الطويل في نضاله المرير ضد النظام السابق، وتشرف بالدور الهائل الذي لعبته المرأة السودانية الواعية الجريئة في تجييشه وصموده وتضحياته، وتجنب الفسق والفجور في خصومته، وأشرك عددا كبيرا من كل أطياف المجتمع في تكوينه، وأفسح المجال الواسع لشبابه، هذا الحراك، إذن، فيه الكثير من الدروس لبقية الحراكات العربية الأخرى.
من هنا يستحق قادة ذلك الحراك وجماهيره التهنئة على الإنجاز الجديد، المتمثل بالتوقيع على الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية مع قيادة المجلس العسكري السوداني الانتقالي، الذي هو الآخر يجب أن يشكر على تصرفه المسؤول تجاه مطالب شعبه الديمقراطية العادلة.
ومع كل ذلك دعنا نشير إلى مجموعة من النقاط نعتبرها مهمة، وجديرة بأن تؤخذ بعين الاعتبار، حتى يصبح إنجاز ذلك الحراك التاريخي في أبهى صوره.

دروس وعبر المشهد السوداني | القدس العربي

*أولا، أثار الانتباه إلى أن الوثيقة، عندما وضعت تعريفا لطبيعة الدولة السودانية، تجنبت ذكر صفتها الأساسية التي بناها تاريخ السودان، عبر خمسة عشر قرنا، ورسختها لغة أهل السودان وثقافتهم وجغرافيتهم ومصالحهم العليا، صفة أن السودان دولة عربية. ليس هذا التجاهل بالأمر الصغير، وهو ينسجم، من دون قصد بالطبع، مع التوجه الأمريكي الصهيوني الذي عمل ولا يزال يعمل على إسقاط صفة الانتماء العربي من دساتير كل الأقطار العربية، كجزء من إلغاء الانتماء القومي العروبي لكل الشعوب العربية، وتدمير الأمل في وحدة الأمة العربية المجزأة في المستقبل.
نحن ـ القوميين العروبيين ـ نأمل في أن يتم تصحيح الأمر في دستور السودان الدائم، الذي سيوضع في المستقبل القريب، كما نصت الوثيقة. كما نأمل في تصحيح تجاهل الالتزامات القومية للمصالح العربية المشتركة، عند وضع السياسة الخارجية لجمهورية السودان من قبل أجهزة الدولة في الفترة الانتقالية، التي نصت الوثيقة على وضعها حال تكون الحكومة الجديدة والمجلس التشريعي الجديد. إن إثارة هذا الموضوع لا يقلل من إعجابنا بالروح الديمقراطية العالية التي شملت كل الوثيقة والاهتمام الشديد بجوانب الحقوق الإنسانية ومبادئ العدالة والحريات العامة، والتعددية والمساواة في المواطنة، وإعلاء شأن القوانين. والواقع أن كل ذلك سينقل جهورية السودان الشقيقة إلى مستوى عال من تحقق المتطلبات الديمقراطية الحقيقية العادلة، لا للرجل السوداني فقط وإنما أيضا، وبخطوات وإجراءات مذهلة، للمرأة السودانية المناضلة الرائعة.
*ثانيا، يحتاج الإنسان، حتى في ظروف الاحتفالات والأفراح الحالية، بالتذكير بدروس المجتمعات الأخرى، بشأن موت الديمقراطية التدريجي المستتر وراء ألف قناع وحيلة، التذكير بأن موت الديمقراطيات في الماضي القريب كان يأتي على يد العساكر أو الأيديولوجيات الفاشية، أو التدخلات التآمرية الخارجية. لكن في الآونة الأخيرة رصد الكثير من الكتاب، خصوصا في الغرب الديمقراطي، بدء موت الديمقراطية التدريجي على يد شخصيات مهزوزة نرجسية، مثل الرئيس الأمريكي الحالي، أو متلاعبة بالعواطف الوطنية من مثل بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا الجديد، أو القيادات الشعبوية الغوغائية المتعصبة ضد الأغراب، كما أفرزها العديد من الانتخابات في العديد من الدول الأوروبية، مثل فرنسا وإيطاليا والنمسا وهنغاريا وغيرها.
وقبل ما نراه في الغرب حاليا عرف العديد من بلدان أمريكا الجنوبية رجالات سياسة جاءوا عن طريق الانتخابات الديمقراطية، لينقلبوا على الديمقراطية الحقيقية، ويمارسوا أساليب ديكتاتورية تسلطية لحكم بلادهم، وذلك باسم ديمقراطية مزيفة.
ذلك أن الدساتير والقوانين لا تحمي لوحدها الديمقراطية، كما نراه كمثل صارخ يجري في الولايات المتحدة تحت نظام الحكم الحالي. الديمقراطية تحتاج أيضا، لكي تتجذر في المجتمعات، تعايش القوى السياسية وقبولها للاختلافات في ما بينها، بتسامح واعتبار بعضها بعضا كقوى شرعية متنافسة، وليست قوى متصارعة في معركة حياة أو موت. الديمقراطية تحتاج ثانيا إلى سياسيين يمارسون الانضباط في خطوات تحقيق شعاراتهم، ولذلك فممارسة سياسات الاستقطابات الحادة هي بداية موت الديمقراطية.

نذكر بذلك حتى لا نقع في الاعتقاد الخاطئ بأن الوثيقة التي وقع عليها مؤخرا ستكون كفيلة بحماية الديمقراطية الوليدة، حماية الديمقراطية تحتاج في الدرجة الأولى لممارسين ديمقراطيين، والذي قرأ تاريخ السياسة في بلاد العرب يعرف جيدا ماذا يعنيه هذا التنبيه الذي نقوم به. حفظ الله السودان وشعبه للمساهمة في نقل أمتهم العربية إلى مرافئ الديمقراطية من خلال الاحتذاء بتجربة فذة مبهرة.