أحدث الأخبار
  • 08:26 . سياسي فرنسي يتهم أبوظبي باستهداف حزبه الرافض لمحاربة الإسلاميين... المزيد
  • 02:35 . ترامب يعلن احتجاز الولايات المتحدة ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا... المزيد
  • 11:52 . الرئيس السوري يتقبل أوراق اعتماد سفير أبوظبي لدى دمشق... المزيد
  • 11:34 . الإمارات تدين بشدة مداهمة الاحتلال مقر "الأونروا" في القدس... المزيد
  • 11:02 . مدارس تُقيّم أداءها في الفصل الدراسي الأول عبر آراء أولياء الأمور... المزيد
  • 10:55 . مجلس النواب الأميركي يوافق على إلغاء قانون قيصر بشأن سوريا... المزيد
  • 07:29 . صحيفة بريطانية: واشنطن تفرض عقوبات على الكولومبيين المتورطين في حرب السودان وتتحاشى أبوظبي... المزيد
  • 02:49 . من هو محمد الحمادي.. أول إماراتي وعربي وآسيوي يرأس مركز "أطلنطا" للمشغلين النوويين؟... المزيد
  • 02:48 . شركات سعودية كبرى توقّع اتفاقيات استراتيجية لتطوير حقول النفط والغاز في سوريا... المزيد
  • 02:45 . مطالبات حقوقية بالكشف عن مكان الناشط الإماراتي جاسم الشامسي وإنهاء الإخفاء القسري... المزيد
  • 11:25 . "الأبيض" يبلغ ربع نهائي كأس العرب بعد خسارة مصر أمام الأردن... المزيد
  • 11:21 . الأعلى في تاريخ الإمارات.. "الوطني" يوافق على الميزانية العامة للاتحاد 2026... المزيد
  • 10:58 . الاحتلال يعتقل عشرات الفلسطينيين بالضفة ومستوطنون يقتحمون الأقصى... المزيد
  • 07:40 . اندلاع حريق هائل في جزيرة الريم بأبوظبي... المزيد
  • 07:18 . التليغراف: علاقات أبوظبي مع الغرب مهددة بسبب المذابح في السودان... المزيد
  • 05:43 . مقتل ستة جنود باكستانيين في هجوم مسلح قرب حدود أفغانستان... المزيد

أمة تقرأ.. أمة ترقى

الكـاتب : خالد الخاجة
تاريخ الخبر: 11-11-2014


تقدم أية أمة وارتقاؤها سلم الحضارة الإنسانية، عملية متكاملة لا تقوم فقط على إمكاناتها المادية رغم أهميتها، ولكن يسير معها ويسبقها بناؤها النفسي والفكري والثقافي، باعتبار أن التطور انعكاس للحالة الفكرية والثقافية، وهو الموجه لدفته والمرشد لحركته. فكيف بنا لو أن الحياة تسير بلا فكر؟ ستصبح بلا شك كلوحة مضطربة لامعنى لها ولا روح فيها. و

كيف بأنفسنا لو سارت حياتنا جامدة نتحرك فيها كآلات صماء تدق دقات منتظمة تجيدها ولا تدرك مغزاها؟ لذا كان الكتاب دائما الواحة التي يلجأ إليها الإنسان ليأخذ استراحة محارب من صخب الحياة وضجيج رحاها التي لا تتوقف عن الدوران، وهو العالم الذي يفر إليه كل راغب في أن يعيش حالة من صفاء الذهن وسلام الروح.

وهو الصديق عندما يتخلى عنك الأصدقاء، وهو الونيس المنتظر دوما من يطرق بابه ليفتح دفتيه ويقلب بين أنامله أوراقه هينة لينة، وهو الذي يعطي دون أن يمن، يدخلك عوالم جديدة تطوف بك يمينا ويسارا كمن يركب بساط الريح ليكون حيث يريد في لحظات قليلة، وهو الذي يهب حيوات كثيرة لصاحبه ويفقهه في معنى الحياة والناس ومغزى الوجود، فيدرك الحكمة من كل ذلك.

وفي وصف الكتاب قال الجاحظ «الكتاب نِعْم الذخر والعدة، ونِعْم الجليس والقعدة، ونعم النشرة والنزهة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس ساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين والدخيل، ونعم الوزير والنزيل، هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يقليك، والرفيق الذي لا يَمَلَّك، والمستميح الذي لا يؤذيك، والجار الذي لا يستبطئك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر، ولا يخدعك بالنفاق».

وكما تقول «إليزابيث براوننغ»: «الكتاب هو المعلم الذي يعلم بلا عصا ولا كلمات ولا غضب.. بلا خبز ولا ماء، إن دنوت منه لا تجده نائما، وإن قصدته لا يختبئ منك، ولا يوبخك إن أخطأت، وإن ظهر جهلك لا يسخر منك».

وفي تقديري أن الكتاب هو الجليس الذي لا يتكلم إلا حيثما تريد، ولا يتخلى عن صاحبه دون إرادته، وهو العالم من يستكشفه يصعب عليه أن يكون خارج حدوده، فعلى صفحاته تتهاوى الهموم، وبين دفتيه تشرق شمس الحقيقة والفضيلة، وتلك الكلمة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي خلال افتتاحه فعاليات الدورة الـ33 من معرض الشارقة الدولي للكتاب.

لذا كان الاهتمام بالكتاب معبرا عن حالة الرشد لأي أمة من الأمم، وقراءة جدية لواقعها واستشراف مستقبلها، ذلك أن تحضر الأمم يقاس بعدد العناوين التي تصدرها كل عام، وإسهامها في إثراء الفكر الإنساني، كما أن الاهتمام به يعبر عن دينامية الشعوب، فتأخر الأمم يصحبه تواري الكتاب وذبول الاهتمام به، حيث تنضب ينابيع الفكر، وتتدنى اللغة، ويشيع التعصب، وتعلو قيم المادة، ويقل إحساس الإنسان بأخيه الإنسان.

والله سبحانه تعالى يقول في سورة إبراهيم ﴿(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ))؛ والكلمة الطيبة هي كل ما يغني حياة الإنسان وينمي فكره ويهذب سلوكه.

وعمر الإنسان الحقيقي لا يقاس بما مر به من أيام وسنوات، ولكن بمقدار ما اكتسبه من معرفة، وقيمته الحقيقة لا ترتبط برصيده البنكي بقدر ارتباطها برصيد فكري، لأنها الثروة التي لا يمكن انتزاعها أو تجريد صاحبها منها، كما أنها ملازمة له في المنشط والمكره والعسر واليسر، وهي الباقية بعد موته والممتدة في حياة كل من أغنت حياتهم.

من هنا كانت أهمية القراءة، فما تحويه الكتب من كنوز يظل حبيسا إلى أن يفرج عنه، لتتحول الفكرة إلى واقع ملموس، فالقراءة تعطي الكتاب حياة وللحياة معنى وقيمة، كما أن هدم أية حضارة لا يحدث فقط عندما تتعرض لقوة عسكرية غازية.

ولكن يكفي أن يحال بين أهلها وبين الكتاب وقراءته والتوقف على ما فيه، ذلك أن الكتب ليست أوراقا فحسب، بل هي أفكار حية تعيش بيننا، وخلاصة فكر وتجارب سنين، ورحيق أعمار من سطورها لنا.

يقول الأديب عباس محمود العقاد «لست أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لأزداد عمرا في تقدير الحساب، وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني، والقراءة هي التي تعطيني أكثر من حياة، لأنها تزيد الحياة عمقا».

هنا تتحول القراءة من مهمة يقوم بها الفرد لتحقيق هدف بذاته، إلى متعة تهفو النفس إليها، ويصبح اللقاء بالكتاب كمن ينتظر لقاء محبوبه، والبعد عنه من أسباب الشقاء، واقتناؤه أغلى من اقتناء التحف والحلي، لأن قيمته لا تتوقف عند صاحبه، لأنه سخي في عطائه لكل من حوله حين ينهلون من نبعه الذي لا ينضب بل يتجدد.

كما أن القراءة ليست مهارة في حد ذاتها بقدر ما تكسب صاحبها مهارات، فالقراءة تجعل الفرد يعتمد في مسلكه على وضوح الفكرة، وقوة المنطق لا منطق القوة، كما أنها تربي لديه الدأب على تحصيل العلم وتعظيم قيمته والبذل في سبيله والصبر على مشقة السير في طريقه، وهي المولدة للفكرة والحافزة على الإبداع.

كما أنها تكسب الفرد القدرة على الاختيار من بين طوفان المعلومات التي يتعرض لها وانتقاء ما يفيده، وهي مهارة يمكن اكتسابها فإنما العلم بالتعلم، لذا وجب ألا يخلو بيت من بيوتنا من كتاب، لأن «بيت بلا كتاب كجسد بلا روح» كما قال الحكماء قديما.

وإذا كانت تجربة دولة الإمارات قد استوقفت الكثيرين، فلننظر في العوامل الفاعلة في نجاحها وعناصر قوتها، فأحد أهمها في تقديري هو أنها حين كان بناء الدولة لم تغفل بناء الإنسان، وحين كانت ترسي دعائم بنيتها التحتية ترافق معها تثبيت ركائز بنيتها الثقافية والفكرية، والتي بات الاعتناء بالكتاب أحد أهم ملامحها.