أحدث الأخبار
  • 02:35 . ترامب يعلن احتجاز الولايات المتحدة ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا... المزيد
  • 11:52 . الرئيس السوري يتقبل أوراق اعتماد سفير أبوظبي لدى دمشق... المزيد
  • 11:34 . الإمارات تدين بشدة مداهمة الاحتلال مقر "الأونروا" في القدس... المزيد
  • 11:02 . مدارس تُقيّم أداءها في الفصل الدراسي الأول عبر آراء أولياء الأمور... المزيد
  • 10:55 . مجلس النواب الأميركي يوافق على إلغاء قانون قيصر بشأن سوريا... المزيد
  • 07:29 . صحيفة بريطانية: واشنطن تفرض عقوبات على الكولومبيين المتورطين في حرب السودان وتتحاشى أبوظبي... المزيد
  • 02:49 . من هو محمد الحمادي.. أول إماراتي وعربي وآسيوي يرأس مركز "أطلنطا" للمشغلين النوويين؟... المزيد
  • 02:48 . شركات سعودية كبرى توقّع اتفاقيات استراتيجية لتطوير حقول النفط والغاز في سوريا... المزيد
  • 02:45 . مطالبات حقوقية بالكشف عن مكان الناشط الإماراتي جاسم الشامسي وإنهاء الإخفاء القسري... المزيد
  • 11:25 . "الأبيض" يبلغ ربع نهائي كأس العرب بعد خسارة مصر أمام الأردن... المزيد
  • 11:21 . الأعلى في تاريخ الإمارات.. "الوطني" يوافق على الميزانية العامة للاتحاد 2026... المزيد
  • 10:58 . الاحتلال يعتقل عشرات الفلسطينيين بالضفة ومستوطنون يقتحمون الأقصى... المزيد
  • 07:40 . اندلاع حريق هائل في جزيرة الريم بأبوظبي... المزيد
  • 07:18 . التليغراف: علاقات أبوظبي مع الغرب مهددة بسبب المذابح في السودان... المزيد
  • 05:43 . مقتل ستة جنود باكستانيين في هجوم مسلح قرب حدود أفغانستان... المزيد
  • 11:13 . الموارد البشرية: نحو 18 ألف عامل حصلوا على دعم مالي منذ تطبيق التأمين ضد التعطل... المزيد

جدلية الثقافة والتعليم في أرض العرب

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 10-12-2015


إذا كانت الثقافة، كما يعرفها المرحوم الدكتور عبدالله عبدالدائم، هي تلك الوقدة الانفعالية التي تثير الدهشة والتساؤل والفضول في الإنسان، وبالتالي تحتاجها المجتمعات من أجل أن تتصف بالحيوية والإبداع، ومن أجل أن تمارس المحاولة الدائمة للارتقاء بالسُمو الإنساني في قيمه وأخلاقه وعلاقاته مع الآخرين والطبيعة.. إذا كانت كذلك فإن مهمة انتقالها من جيل إلى جيل، ومهمة تجديدها تصبح من مسؤوليات الجميع: البيت والمدرسة والجامعة ومنابر الإعلام والفكر والمسجد والكنيسة والنادي والمسرح والسينما ووسائل الاتصال الاجتماعي، بل وحتى الشارع، وغيرها الكثير.

لكن المسؤولية الأكبر تقع بامتياز على عاتق المؤسسات التعليمية. إنها ليست فقط قادرة على تمرير الثقافة من جيل إلى جيل، وإنما هي الأكثر تأهيلاً لممارسة تحليلها ونقدها بعقلانية وموضوعية، ومن ثمّ المساهمة في تجديدها المستمر المطلوب من جهة، وفي انعكاس ذلك التجديد على المدرسة نفسها، بيئة ووسائل ومناهج وعاملين، من جهة أخرى.
دعنا نأخذ بعض الأمثلة لتوضيح ما نعني في الواقع المدرسي وبالطبع الجامعي أيضاً.
أولاً، هل يستطيع القيام بالمهمة الثقافية تلك معلم لا يتمتع هو نفسه بثقافة واسعة عميقة، وذلك من خلال إعطائه جرعة كبيرة من الدراسات الإنسانية، والاجتماعية والنفسية والأدبية والفنية، وأساسيات العلوم الطبيعية والبيولوجية؟
إذن، فإعداد ذلك المعلم سيحتاج إلى ما لا يقل عن ست سنوات من تعليم وتدريب عملي. وهذا بصراحة سيتطلب ما نادينا به عبر ثلاثين سنة من ضرورة تمهين مهنة التعليم لتصبح مهنة رفيعة المستوى، في القيمة الوظيفية والراتب والمكانة الاجتماعية، مماثلة لمهن الهندسة والطب والقانون على سبيل المثال.

المعلم المثقف ذاك، سيمارس مع تلاميذه الأسس التي تتطلبها العملية التثقيفية: التساؤل والفضول والدهشة والإبداع والتجديد والاستقلالية الذاتية المتوازنة والمواجهة الشجاعة للأسئلة الوجودية الكبرى. من دون ذلك المعلم ستظلُ المدرسة، وكذلك الجامعة، تجتر نفس الثقافة، بكل تشوهاتها وعللها، وتمررها من جيل إلى جيل من دون تجديد وإغناء وتجاوز نحو الأفضل والأسمى والأعدل ومن دون إعداد الطالب ليمارس كل ذلك الرفض والتمرد بعد تركه للمدرسة والجامعة.

ثانياً، في طول وعرض وطن أمة العرب يُجرى الحديث عن ضرورة وأولوية انتقال مجتمعات العرب من أنظمة الاستبداد إلى أنظمة الديمقراطية الشاملة العادلة، وبالطبع فإن ذلك الانتقال لا يتطلب فقط وجود أحزاب سياسية وانتخابات دورية، وتبادل للسلطة ووجود مؤسسات تشريعية مستقلة عن التنفيذية. ذلك لن يكفي، بل وسيشوهه وسينخره الفساد ويزور، إلّا إذا رافقه بناء ثقافة سياسية ديمقراطية في عقل ووجدان وروح المواطنين، وعلى الأخص الأطفال والشباب والشابات منهم.
إن بناء تلك الثقافة لن يكفيها التعليم النظري وتلقين التلاميذ مبادئ الديمقراطية وتطبيقاتها، لأنها لن ترسخ في الأطفال والشباب إلّا من خلال ممارستها في الصف وفي المدرسة والجامعة. إذن ستكون هناك حاجة لوجود مدارس وجامعات تمارس الديمقراطية في إدارتها، وفي العلاقات بين أفرادها وفي اتخاذ القرارات الأساسية بشأن مسؤولياتها ونشاطاتها ومستقبلها. وهذا سيتطلب إشراكاً فعلياً للمعلم والطلبة، جنباً إلى جنب مع المسؤولين الإداريين، في إدارة المؤسسة التعليمية.
في هذه الأجواء تحترم كرامة الطالب الإنسانية، يتعلم الأخذ والعطاء والحوار المتسامح والتعايش مع الآخرين، يمارس استقلالية الشخصية ورفض الخضوع والتبعية ويطرح الأسئلة ويحصل على الجواب ويناقشه.
بناء الشخصية والقدرات الفكرية والنفسية والاجتماعية يحتاج إلى بيئة مدرسية وجامعية تسمح بتجسيد الأفكار في الواقع اليومي لحياة التلميذ المدرسية والجامعية.
ثالثاً، مهمة التثقيف لا يمكن أن تُمارس، وأن تنجح إذا كانت إحدى أهم وسائل ممارسة ثقافة الأمة تلك، اللغة الأم، أي اللغة العربية، مهمشة أو ضعيفة أو مهملة، سواء في المناهج أو في الممارسة الحياتية المدرسية والجامعية اليومية.
ولذلك فإن التوجه المجنون الحالي، في كل الوطن العربي، نحو خصخصة التعليم، يطرح موضوع تعليم اللغة العربية في المدارس والجامعات الخاصة بقوة وجدية. إذا سمح لتعلم واستعمال اللغات الأجنبية في المدارس الخاصة والجامعات الخاصة أن يكون على حساب تعلم وممارسة اللغة العربية الأم، فإننا نهيئ لتراجع ثقافة الأمة وتهميشها، ومن ثم تراجع وتهميش وتشويه هوية الأمة، عروبتها، ومن ثمّ تخريج جيل بلا أحاسيس وطنية ولا انتماءات قومية.
إننا عند ذلك نحقق هدف الرأسمالية العولمية وإيديولوجيتها الليبرالية الجديدة في بناء إنسان عولمي لا يرتبط بأرض ولا بشعب ولا بأمة، وبالتالي لا يرتبط بتاريخ أو ثقافة، سوى الثقافة العولمية ذات البعد الاستهلاكي الاقتصادي النهم والتسطيح الفكري والعاطفي والرُوحي.
جدلية الثقافة والتعليم يجب أن تأخذ حيزاً كبيراً ومميزاً في جداول أعمال وزارات التربية والتعليم العالي، لأن قضية نوع وأهداف وممارسات الثقافة ستكون أحد أهم مواضيع هذا القرن، وهو يواجه مشاكل بالغة التعقيد والتشابك والأخطار.