أحدث الأخبار
  • 12:19 . تقرير يتهم أبوظبي بتوريط الحكومة اليمنية باتفاقية مع "شركة إسرائيلية"... المزيد
  • 12:14 . "دانة غاز": عودة الإنتاج في منشأة خورمور العراقية إلى مستوياته الاعتيادية... المزيد
  • 11:23 . "وول ستريت جورنال": الإمارات تفرض قيود على استخدام قواعدها لضرب أهداف في العراق واليمن... المزيد
  • 11:11 . الوحدة والعين في كلاسيكو مرتقب في نهائي كأس مصرف أبوظبي الإسلامي... المزيد
  • 11:09 . النظام السوري: إصابة ثمانية عسكريين بضربة إسرائيلية قرب دمشق... المزيد
  • 10:57 . تشيلسي يبدد آمال توتنهام في المشاركة بدوري أبطال أوروبا... المزيد
  • 10:56 . الذهب يتجه للانخفاض للأسبوع الثاني وسط ترقب لبيانات وظائف أمريكية... المزيد
  • 10:50 . إيران تدعو إلى تأسيس صندوق استثمار مشترك مع الإمارات... المزيد
  • 10:47 . بعد اتساع رقعة الاحتجاجات.. بايدن يتهم الطلاب المؤيدين لفلسطين بـ"العنف ومعاداة السامية"... المزيد
  • 10:46 . تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع الاحتلال الإسرائيلي... المزيد
  • 08:06 . زيادة جديدة في أسعار الوقود بالدولة لشهر مايو... المزيد
  • 07:26 . هنية: اتفقنا مع رئيس وزراء قطر على استكمال المباحثات حول الوضع في غزة... المزيد
  • 11:31 . المركزي: احتياطيات بنوك الدولة تتجاوز نصف تريليون درهم بنهاية فبراير 2024... المزيد
  • 11:30 . "الإمارات للاتصالات" تنفي إجراء مفاوضات للاستحواذ على "يونايتد غروب"... المزيد
  • 11:26 . أبوظبي وطهران تعقدان أول اجتماع اقتصادي منذ 10 أعوام... المزيد
  • 11:24 . مصرف الإمارات المركزي يبقي على أسعار الفائدة "دون تغيير"... المزيد

تعال واسترح قليلًا أيّها الإنسان

الكـاتب : توران قشلاقجي
تاريخ الخبر: 30-04-2020

في هذه المرحلة التي وصل إليها عالمنا بسبب فيروس كورونا، أصبح من الضروري تأسيس نظام تفكير جديد، وأخلاق جديدة. فالبشرية تحتاج اليوم إلى فكر يحطّم المألوف، بدلًا من الفكر الذي يفرّق بين الناس، ويُضحّي بهم لصالح الفلسفة المثنوية المفرّقة، مثل الفاعل – المفعول والمُنتِج- المُنتَج. لهذا علينا أن نحطم القيم العقائدية والأنماط والرؤى والأفكار، التي فرضها القرنان الماضيان على الإنسانية، مثلما حطّم سيدنا إبراهيم الأصنام.
من الحقائق التي لا يمكن إنكارها، أنه يجب علينا أن ننفصل تمامًا عن التاريخ الملعون السائد في القرن الماضي، من أجل تأسيس عالم تسوده العدالة والحرية والسلام. لأن طريقة بناء لغة جديدة وفكرة جديدة وأخلاق جديدة وشخص جديد غير ممكنة إلا عبر التخلص من هيمنة القرن الماضي، فكريًا وثقافيًا. لا يمكن تحقيق ذلك من خلال معرفة فلسفة القرن الماضي، أو إنكارها، بل من خلال معرفة جوهرها.
يعد كتاب «تغيير العالم دون الاستيلاء على السلطة»، الذي ألفه المفكر الفرنسي جون هولواي قبل أعوام، من أهم الكتب التي تشرح ما يجب القيام به لتأسيس فكرة جديدة.

هولواي، الذي يتناول في كتابه الحركات اليسارية والماركسية، يسعى إلى تحطيم المألوف الذي يقول إنه «لا يمكن تغيير العالم إلا بالسلطة». يدرس هولواي جيدًا كيف أن الحركات اليسارية والماركسية التي تحاول الاستيلاء على السلطة بالطرق الثورية أو السياسية تشبه بعضها بعضا في النهاية، رغم الاتهامات المتبادلة بالخيانة، وذلك بعد أن يخضع كلاهما لاختبار مع السلطة بطريقة ما. ويقول هولواي إن التاريخ يعلّم الإنسان بوضوح تام بأن «العالم لم يتغير/لم يتم تغييره بالسلطة». كما يتناول كيف أن السلطة الحديثة، التي طُرحت فلسفتها في القرن الثامن عشر، تشبه المصنع، وكيف أن جميع الحركات والأحزاب اليسارية والماركسية التي وصلت إلى السلطة، سواء بالثورة أو بالطريقة الحزبية، تشبه بعضها في النهاية، وكذلك كيفية تحول الأشخاص الذين وصلوا إلى السلطة باسم الحرية والعدالة والمساواة، إلى آلات للاضطهاد.
إذن، يمكننا انطلاقًا من هنا، أن نقول إن الجماعات الدينية والأحزاب والحركات والجماعات، والمجموعات الصوفية أيضًا، أمامها في هذا الصدد العديد من القضايا، التي تتطلب منها التمعن فيها واستخلاص الدروس منها. لقد حان الوقت، بل يمر، لكي تتطهّر الحركات الدينية المتأثرة بأفكار اليسار أو اليمين السائدة في القرن الماضي، وفي الواقع كلاهما وجهان لعملة واحدة، من الأدناس القديمة. لأن هدف كافة الجماعات، المتطرفة منها والمعتدلة، هو الوصول إلى السلطة أو عرقلة الأفكار الأخرى التي تحاول الوصول إلى السلطة.

حتى التشكيلات التي تقول «ليس لدينا هدف لتولي السلطة»، كانت بطريقة ما جزءًا من هذه اللعبة بواسطة الحركات اليسارية / اليمينية، أو الأحزاب التي دعمتها بشكل غير مباشر. وذلك لتحقيق غرض تجاري صغير، لأن الإخوة الكبار أو المعلمين أو الشيوخ كانوا بحاجة إلى كراسي بدلًا من الجلوس على الأرض، وإلى مراكز فارهة بدلاً من المراكز البسيطة.
في الواقع، عندما ننظر إلى تاريخ الإسلام، نجد أنه لا القرآن ولا الأنبياء يتعهدون بالسلطة. كانت فكرة الإسلام عبارة عن ثورة، أي تحطيم المألوف، وكسر الأفكار القديمة والمتحجرة. وهنا يكمن السر وراء قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما تعهد المشركون بمنحه «السلطة» و»الأموال الكثيرة»، إنه «لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته».

عندما تنظرون بدقة إلى الحركات الجهادية والكيانات السياسية التي نشأت بعد الثمانينيات، ستظهر الأمراض الموروثة من اليسار واليمين، خلف المرض والفشل الذي هي غارقة فيه. بالطبع، لا يمكن إنكار إنجازاتها الجزئية. ولكن عندما ننظر على الصعيد العام، فإن التصرفات مثل تدمير المفاهيم الدينية وفقدان العديد من الشباب، لا يمكن تعريفها إلا بالفشل. هل نتحدث عن كيفية ابتعاد الحركات الجهادية، التي انطلقت بحسن نية عن الفقه، وتحولها إلى حركات بربرية؟ أم عن كيفية تقبل الشباب في الحركات السياسية القيم الفقهية/ الدينية من أجل الحفاظ على كراسيهم؟ أم يجب أن نشرح كيف تحولت الجماعات والحركات الصوفية إلى شركات تجارية كبيرة؟ أعتقد أن الوقت حان لطرح فكرة قوية بدلاً من مناقشة أوجه القصور والضعف. لأنه نظرًا لاختفاء أصول المناظرة في هذه المنطقة، فإنه عندما تتم مناقشة نقاط الضعف والقصور، لا يمكن أن يتجاوز الأمر الاتهامات.

من الضروري تأسيس نظام تفكير جديد، وأخلاق جديدة. فالبشرية تحتاج اليوم إلى فكر يحطّم المألوف ولا يفرّق بين الناس

في الحقيقة، أصبحت أوجه القصور ونقاط الضعف معروفة للجميع. لكن المشكلة تكمن في مسألة كيف سيكون الحل لهذه الأمور. فالمسلمون الذين يناقشون منذ قرنين «سبب تخلّف المسلمين» ولا يستطيعون بطريقة ما التخلص من هذه الحلقة المفرغة، باتوا أمام مساحة يتحدث ويناقش فيها الجميع، سواء الجاهل أو المتعلم. هذا الأمر لم ينقذ المسلمين من المستنقع، بل على العكس قادهم أكثر إلى المستنقع. ألم نر في الثلاثين عامًا الماضية كيف تم تضخيم أصغر القضايا، حتى تتسبب بالتفرقة؟ ألم نر كيف اختلف أولئك الذين قرأوا كتابًا واحدًا، وحتى الكتب نفسها من الناحية الفكرية، في الشؤون الثانوية؟

ألا يتضح لنا ذلك بشكل جيد من خلال وجود كل هذا العدد الكبير من المجتمعات الدينية؟ يجب أن نعترف بأنها لم تعد عبارة عن جماعات أو مجموعات صوفية. إذا تناولناها انطلاقًا من فكرة «الملل والنحل» التي طورها المسلمون، فإننا نجد بأن كل واحدة منها عبارة عن مذهب. لأن الجماعة توحّد وتحافظ على «السواد الأعظم». كل هذه الأفكار لا تكتفي بتقسيم الأمة فحسب، بل إنها تحول أفرادها إلى أعداء تجاه بعضهم بعضا.
خلاصة الكلام، إن الطريق للتخلص من الفراعنة والطغمات العسكرية والنمارِدة الجُدد الذين انتهكوا القيم الدينية، ومزقوا الأمة، وأصبحوا عبيدا للغرب وقتلوا شعوبهم، سيكون عبر شرارة فكرية صغيرة. وكذلك الطريق لمحاربة القوى العالمية، التي تهين وتقتل الكرامة الإنسانية في أمريكا اللاتينية وافريقيا والشرق الأوسط وآسيا، لا يمر من السلطة بل من خلال فكر قوي يدافع عن الإنسان ويحطم كل الأصنام القائمة بين الإنسان والله سبحانه وتعالى.

يجب أن يعي المسلمون جيداً كيفية تحقيق هذا الأمر. لأن القرآن مليء بأمثلة على ذلك، وحياة النبي صلى الله عليه وسلم تكشف لنا هذا الأمر بشكل ملموس. الشيء المهم ليس الاقتراب من النصوص البكداشية، وإنما طرح نظرة شاملة. ينبغي على التكتلات الدينية كلها اليوم أن تستخدم في خطابها عبارة «يا أيها المسلمون» بدلًا من «يا أعضاء جماعتي»، وأن تكون قادرة على طرح رسالتها للبشرية جمعاء بعبارة «يا أيها الناس». لأننا نحتاج اليوم مفكرين مسلمين يدافعون عن حق كل إنسان ويستخدمون اللغة التي يفهمها كل شخص، من اليابان إلى أمريكا اللاتينية، بدلاً من الشركات العالمية التي أقسمت على تسميم البشرية برمتها. وأثناء بناء هذا الخطاب، ينبغي أن لا نقضي على الاختلافات، أو نقع في حفرة سخيفة، مثل وحدة الأديان ووحدة المذاهب.