أحدث الأخبار
  • 11:31 . المركزي: احتياطيات بنوك الدولة تتجاوز نصف تريليون درهم بنهاية فبراير 2024... المزيد
  • 11:30 . "الإمارات للاتصالات" تنفي إجراء مفاوضات للاستحواذ على "يونايتد غروب"... المزيد
  • 11:26 . أبوظبي وطهران تعقدان أول اجتماع اقتصادي منذ 10 أعوام... المزيد
  • 11:24 . مصرف الإمارات المركزي يبقي على أسعار الفائدة "دون تغيير"... المزيد
  • 11:15 . رويترز: ضغوط أمريكية وغربية على أبوظبي بسبب التجارة مع روسيا... المزيد
  • 11:06 . "إذا ماتت فلسطين ماتت الإنسانية".. رئيس كولومبيا يقطع علاقات بلاده مع الاحتلال الإسرائيلي... المزيد
  • 08:50 . بسبب مخاوف حول حقوق الإنسان.. رفض أمريكي لانتخاب رئيس أرامكو السعودية مديرا ببلاك روك... المزيد
  • 08:46 . رونالدو يقود النصر السعودي لنهائي كأس خادم الحرمين... المزيد
  • 08:44 . دورتموند يفوز على سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا... المزيد
  • 11:31 . وفاة الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان والإمارات تعلن الحداد سبعة أيام... المزيد
  • 11:15 . هبوط مؤشرات معظم البورصات الخليجية مع تراجع أسعار النفط... المزيد
  • 09:09 . الدولار يهبط قبيل صدور بيان اجتماع المركزي الأمريكي... المزيد
  • 09:06 . لابيد يقرر زيارة أبوظبي في خضم الخلافات الإسرائيلية... المزيد
  • 07:56 . تركيا تنضم إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي أمام العدل الدولية... المزيد
  • 07:33 . إلى أين تتجه القوة العسكرية الإماراتية العابرة للحدود؟.. مركز دراسات يجيب... المزيد
  • 07:01 . 17.8 مليار درهم رصيد المركزي من الذهب بنهاية فبراير 2024... المزيد

المرافئ الآمنة للثروات

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 07-09-2019

في كتاب “أرض المال”، للكاتب الصحافي أولفر بولوخ، يسرد المؤلف تفاصيل المئات من القصص والأحداث التي تجري في عالم الثراء والأثرياء. الجانب الذي يهمنا هو ما يذكره عن الطرق والأساليب والحيل التي يستعملها أصحاب الثروات الطائلة لإخفاء ثرواتهم في بلدان آمنة، حيث لا يطرح أحد أي سؤال عن مصدر المال ولا مالكه الحقيقي، ولا أي تفاصيل عن مآله المستقبلي.

في هذه البلدان، المسماة بجنات المال الآمنة، تسود السرية التامة بشأن الأموال التي تحول إليها، والبنوك التي ستوضع فيها، والشركات الوهمية التي سترعى امتلاكها، والفوائد التي ستربحها، والعقارات والأسهم والصفقات التي ستكون تلك الأموال أداة من أدوات شرائها أو تنفيذها.
يتحدث الكتاب عن ثروة قدرت في سنة 2010 بأنها تراوحت ما بين عشرين وثلاثين تريليون من الدولارات. الأمر الصادم المرعب هو أن الكاتب يقدر النسبة المئوية من ثروات الأغنياء الأمريكيين التي تخرج إلى خارج أمريكا، بما فيها تلك الأماكن السرية الآمنة بـ4% من الثروة الأمريكية الهائلة، لترتفع النسبة إلى 10% من ثروة الأوروبيين، ثم لتصعد النسبة إلى 30% من ثروة الافريقيين، ثم لتصل إلى نسبة صادمة تقدر بـ57% من ثروة أغنياء منطقة الخليج. 

لا يذكر المؤلف نسب ثروات أغنياء المناطق العربية الأخرى، لكن الإنسان يستطيع أن يخمن بأنها ستكون هي الأخرى من أعلى النسب، القائد الطليعي، أو الجيش الوطني المنقذ، أو الجماعة المذهبية الطائفية التي تدعي تعرضها لمظالم تاريخية، أو العائلة المنتمية لهذا النسل الديني، أو ذاك البطل التاريخي، أو الجماعة السياسية المشمولة بحماية القوى الاستعمارية الخارجية.
تحت أنظمة حكم كهذه لا تملك الشرعية الديمقراطية تغيب مؤسسات الرقابة والمحاسبة السياسية والقانونية، وتترسخ الذمم المالية الفاسدة، التي تسهل نهب الثروات العامة، ونقل جزء منها بشتى الصور إلى الخارج لتصل إلى المرافئ المالية الآمنة الشهيرة، حيث تتركز صناعة استلام تلك الثروة بسرية تامة، تم تقديم الاقتراحات بشأن طرق استثمارها أو صرفها على حياة البذخ، بعيداً عن أعين المتطفلين من المراقبين الرسميين أو جهات جمع الضرائب. المهزلة تتمثل في أن بلدان العالم، التي تسمح أوضاعها السياسية والإدارية بنهب الأموال أو التهرب من دفع الضرائب، ومن ثم تهريب تلك الثروة الوطنية إلى تلك المرافئ لاستثمارها أو صرفها في الخارج، لا تخجل سلطاتها من الشكوى المضللة بشأن قلة الاستثمارات التي تأتي إليها من الخارج، وبالتالي محدودية نموها الاقتصادي، الأمر الذي يقود إلى ادعاء آخر من أن ليس لديها المداخيل الكافية لصرفها على الخدمات العامة الأساسية الضرورية مثل، التعليم والصحة والإسكان والمعونات الاجتماعية والبطالة والتقاعد.

 ويتكفل الإعلام الحكومي أو الإعلام الخاص الزبوني، أو أصحاب الأقلام المدفوعة الثمن، لإقناع المواطنين بصدق تلك الادعاءات وتبرير تخلي الحكومات عن مسؤولياتها الخدمية العامة، خصوصاً أن الأيديولوجية النيوليبرالية العولمية تبارك ذلك.
هنا تكتب قصائد المقارنة مع دول أخرى تعيش أوضاعاً أسوأ، أو تعيش في مصيدة حروب أهلية مدمرة فرضها الاستعمار وحاكتها مخابراته، كما هو الحال في بعض بلاد العرب.
وتصل المأساة الكوميدية إلى قمتها، عندما تقوم جهات التبرير والكذب تلك بالطلب من المواطنين أن يحمدوا الله على أنه أنعم عليهم في هذه الفترة العصيبة بوجود قائد تاريخي ملهم فذ، أو أب عيلة محب لأولاده سيكون قادراً على إخراجهم من الوضع المتردي الذي هم فيه في المستقبل القريب، وما عليهم إلا الصبر والانتظار. 

إنها المأساة الكوميدية نفسها، التي كان يمثلها في الماضي ملاك العبيد الذين كانوا يطالبونهم بقبول عار عبوديتهم في سبيل حصولهم مجاناً على الطعام والمسكن والأمان، والرفق وعدم القسوة في التعامل معهم من قبل مالكهم وسيدهم. أما الحديث عن تبديل أو إصلاح النظام السياسي والنظام الاقتصادي ونظام العلاقات الاجتماعية الخالية من العدالة والمساواة في المواطنة، فإنه يوصف بأنه حديث لا يجلب إلا الخلافات والصراعات والإرهاب وعدم الاستقرار.

 العبيد يجب أن لا يثوروا على مبدأ وعار عبوديتهم، وإنما يجب أن يكتفوا بالمطالبة بتحسين أوضاعهم، والحصول على أكبر قدر من الصدقات وفتات الأعمال الخيرية التي يوزعها الأقوياء والأغنياء، شرط أن لا تمس الأسس التي قام عليها النظام الذي سمح لهم بتكديس الثروات.
هناك من يقول بأن النظام العولمي المالي الحالي سمح باتساع وانتشار تلك الظاهرة، التي في محصلتها تخدم البلدان الرأسمالية الغنية، ومدن مرافئ الأمان مثل جرسي في أوروبا ونفيس في البهاماز. لكن اللوم الأكبر يقع على الفساد المالي والقانوني والسياسي الذي أصبح وباء العصر الذي نعيش. 

فالمشكلة ليست فقط في وجود دول عالم ثالث تسمح أنظمتها بنهب الثروات وإخراجها، وإنما هي أيضاً في وجود دول غنية تسمح بانتقال تلك الثروات إليها، حتى لو كانت عبر وسائل غامضة مليئة بالأسرار والتعقيدات.

 إنه طمع السوق الرأسمالي الذي لا يشبع. فالدول الرأسمالية الكبرى التي وضعت في مدينة بريتون وودز، عام 1944، قواعد تضبط انتقال الرأسمال بين دول العالم من أجل الاستقرار المالي العالمي، هي نفسها التي تتخلى عن تلك الضوابط، تماماً كما تفعل أمريكا الآن بالنظام النيوليبرالي الرأسمالي الذي وضعته منذ أربعة عقود، إذ تدوس عليه من أجل مصالحها الوطنية الضيقة. 

السؤال الذي يهمنا هو: ما هي الأسس والأنظمة والاحتياطات التي يجب أن تناضل المجتمعات العربية من أجل وجودها لحماية ثروات تلك المجتمعات؟ إنه سؤال يستحق الإجابة.