أحدث الأخبار
  • 08:53 . بسبب دورها في حرب السودان.. حملة إعلامية في لندن لمقاطعة الإمارات... المزيد
  • 06:48 . الاتحاد الأوروبي يربط تعزيز الشراكة التجارية مع الإمارات بالحقوق المدنية والسياسية... المزيد
  • 06:04 . منخفض جوي وأمطار غزيرة تضرب الدولة.. والجهات الحكومية ترفع الجاهزية... المزيد
  • 12:45 . تقرير إيراني يتحدث عن تعاون عسكري "إماراتي–إسرائيلي" خلال حرب غزة... المزيد
  • 12:32 . أبوظبي تُشدّد الرقابة على الممارسات البيطرية بقرار تنظيمي جديد... المزيد
  • 12:25 . الغارديان: حشود عسكرية مدعومة سعوديًا على حدود اليمن تُنذر بصدام مع الانفصاليين... المزيد
  • 12:19 . إيران تعدم رجلا متهما بالتجسس لصالح "إسرائيل"... المزيد
  • 10:59 . أمريكا تنفذ ضربات واسعة النطاق على تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا... المزيد
  • 09:21 . الاتحاد العالمي لمتضرري الإمارات... المزيد
  • 06:52 . السعودية تنفذ حكم القتل لمدان يمني متهم بقتل قائد التحالف بحضرموت... المزيد
  • 06:51 . بين توحيد الرسالة وتشديد الرقابة.. كيف ينعكس إنشاء الهيئة الوطنية للإعلام على حرية الصحافة في الإمارات؟... المزيد
  • 06:41 . أمير قطر: كأس العرب جسّدت قيم الأخوّة والاحترام بين العرب... المزيد
  • 11:33 . "رويترز": اجتماع رفيع في باريس لبحث نزع سلاح "حزب الله"... المزيد
  • 11:32 . ترامب يلغي رسميا عقوبات "قيصر" على سوريا... المزيد
  • 11:32 . بعد تغيير موعد صلاة الجمعة.. تعديل دوام المدارس الخاصة في دبي... المزيد
  • 11:31 . "فيفا" يقر اقتسام الميدالية البرونزية في كأس العرب 2025 بين منتخبنا الوطني والسعودية... المزيد

ثم ماذا بعد الاندحار العسكري؟

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 17-11-2016

سنكون مخدوعين وقليلي الفهم لو أننا اعتقدنا بأن معركتي الموصل في العراق والرقة في سوريا ستحسمان تواجد «داعش» وأخواته في الأرض العربية.
لن ينتج عن الانتصار في المعركتين إلا إضعاف «داعش» وإنهاء مشروع الخلافة الإسلامية في الواقع العربي، وإلا تقوية وصعود مجموعات أخرى من مثل «القاعدة» الأم وتفريخاتها.
نحن أمام أخطبوط، ما إن تقطع أحد أطرافه حتى يطلع وينمو طرف آخر، قد يكون أشدُ فتكاَ. بعد الانتصار سنرى أمامنا في المستقبل القريب أنواعا من العصابات والمليشيات والأفراد الانتحاريين الذين سيزرعون الرعب وقتل الأبرياء ومهاجمة المؤسسات العامة والخاصة في طول وعرض وطن العرب وخارجه.
لن تبقى مؤسسة نفطية في مأمن، ولن تبقى البنوك خارج الصراع، وستصبح المطارات بحاجة لأقصى الحماية ليل نهار. ولن تعدم تلك الجماعات التكفيرية الاستفادة من فيض ما هو موجود من أحاديث موضوعة مدسوسة واستنتاجات فقهية كانت صالحة لأزمنة غير أزمنتنا، وقد عفى عليها الزمن وأصبحت خارج العصر الذي نعيش. وستستعمل تلك الجماعات كل الوسائل والحماقات لإبقاء العرب والمسلمين ودين الإسلام في صدام دائم مع كل العالم. ومن أجل تحقيق ذلك ستحصل قياداتها على كل معونة مادية من أشكال من الاستخبارات ومن عتاة الجهل وبلادتهم في فهم رسالة السماء في بلاد العرب والمسلمين. ولن يحتاج هؤلاء إلى وسائل إعلام معروفة ومعترف بها، فوسائل التواصل الاجتماعي وأصوات التشنُج في كثير من الفضائيات «الإسلامية» ورسائل التعصب وادعاء الانتماء إلى «الفرقة الناجية»، المبثوثة في مناهج الكثير من المدارس الحكومية والأهلية ستكون أكثر من كافية للوصول إلى أسماع وعقول الشباب المهمش والعاطل عن العمل والغاضب لألف سبب وسبب.
نرسم تلك الصورة القاتمة بكل صراحة ومسؤولية لأننا نعتقد أن تربة أرض العرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية في وضعها الحاضر ستظلُ صالحة لكل ما ذكرنا وأكثر. لا يمكن لحياة سياسية قائمة على الاستبداد وبطش قوى الأمن العشوائي، واستئثار أنواع من الأقليات باسم العساكر والقبائل والمذاهب والأعراق، وباسم سلطة المال والفساد وأسواق العولمة، لا يمكن لها إلا أن تكون تربة صالحة لكل ما ذكرنا من ممارسات الجنون والإرهاب وتدمير المجتمعات.
لا يمكن لحياة اقتصادية تركز الثروة في أيادي واحد في المئة من الناس وتبقي الآخرين في ضنك وتوتُر وفقر وشعور بالذل والمهانة إلا أن تكون تربة صالحة لكل ذلك.
لا يمكن لنظام اجتماعي ولثقافة يقومان على تقديس الماضي وممارسة اللاعقلانية، وعلى مقاومة المراجعة والتجديد والانتقال إلى حداثة ذاتية للأمة إلا أن يصبحا تربة صالحة لكل ذلك. لا يمكن لنظام قومي إقليمي مليء بالصراعات وتآمر مكوناته على بعضها بعضا، والسماح للخارج أن يرسم معالم المنطقة العربية ومستقبلها، ويشترط قبولاَ صهيونيا لكل طموحات وأحلام شعوبها إلا أن يكون تربة صالحة لكل ذلك.
سواء أكان ما نقوله ضربا على الصدور أو استدراراَ للدموع أو إضعافا للأمل، فإن الحقيقة المرة المفجعة تقتضي أن يقال ما يقال وأن يشترط ما يشترط وأن تواجه الأمة حقيقة واقعها فتختار: إما هذا وإما ذاك.
لقد عاشت أمتنا خمسة عشر قرنا وهي قادرة على أن تتجنب الوقوع في الجحيم الذي تعيشه الآن. وكان من الممكن الحديث عن التدُرج والاكتفاء بالحركة التاريخية البطيئة. أما وأن الأمة قد أدخلت في هذا الجحيم التاريخي البالغ السوء، فان المعالجات والأساليب السابقة لم تعد كافية، بل ولم تعد صالحة. نحن هنا نتكلم عن الوسائل والعلاجات، وليس عن الأهداف المشروعة أو عن الأحلام الكبرى الضرورية. من هنا فان اندحار «داعش» في الموصل والرقة، إن لم تصاحبه بصورة جذرية وسريعة تغييرات كبرى وولادة قوى قادرة وفاعلة جديدة، وتفعيل إرادات جدية من داخل أنظمة الحكم والمجتمعات المدنية الراغبة والقادرة على خوض مسيرة ذلك التفعيل الصعبة المضنية، إن لم يحدث ذلك فإن ظاهرة الجهادية التكفيرية العنفية ستكون معنا لسنين وعقود طويلة مقبة، وإلى أن يتم إخراج الأمة من مسيرة التاريخ الإنساني.
لقد استخفت هذه الأمة من قبل بالوجود الصهيوني في جزء عزيز من وطنها، وها هي اليوم تعيش نتائج ذلك الاستخفاف العبثي: غطرسة صهيونية وأخطارا هائلة على وحدة كل تجمُع عربي وعلى نهوضه.
ولقد استخفت هذه الأمة عبر السنين بالإمكانيات التقسيمية الطائفية التدميرية الهائلة من جراء الانقسامات المذهبية العبثية التي تقوم على أسس سياسية ومماحكات تاريخية بليدة. وها هي اليوم تحصد نتيجة عدم حل ذلك الموضوع على أسس صحيحة وعادلة وعاقلة عبر خمسة عشر قرنا من الزَمن.
واليوم، وعلى مشارف اندحار عسكري بحت لـ»داعش» وأخواته، يجدر أن لا نسقط في حبائل عادات الاستخفاف التاريخية تلك ونذوق العلقم في المستقبل. إنه تحد للأنظمة السياسية وللمجتمعات المدنية، وهو تحد مستعجل لا يستطيع الانتظار. وفي هذه المرُة لن تكون الخسائر سياسية ودينية واقتصادية فقط، وإنما ستكون خسارة حضارية وجودية كبرى.