أحدث الأخبار
  • 08:40 . سلطان القاسمي يوجه بتسكين جميع الأئمة والمؤذنين في مساجد الإمارة على كادر حكومة الشارقة... المزيد
  • 02:41 . دبي تدخل المرحلة الأخيرة من حظر المنتجات البلاستيكية أحادية الاستخدام... المزيد
  • 02:31 . "أطباء السودان": الدعم السريع تحتجز 73 امرأة و29 طفلة... المزيد
  • 12:10 . الإمارات تسلّم "زعيم شبكة لتهريب البشر" إلى السلطات الهولندية... المزيد
  • 11:57 . الدكتور يوسف اليوسف: على أبوظبي مراجعة سياساتها بعد أن أصبح اسمها مقروناً بالتعاون مع الأعداء... المزيد
  • 11:45 . مواطنون يقترحون حوافز مالية وتقليص دوام الأمهات لمواجهة تراجع المواليد... المزيد
  • 11:16 . السعودية تحذّر المجلس الانتقالي من التصعيد في حضرموت والمهرة... المزيد
  • 10:32 . الإمارات ترحب باتفاق تبادل الأسرى بين الحكومة اليمنية والحوثيين... المزيد
  • 09:48 . عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى وعمليات هدم واسعة بالقدس... المزيد
  • 12:42 . ترحيب خليجي باتفاق تبادل الأسرى في اليمن... المزيد
  • 12:32 . كيف ساهمت أبوظبي في ضم كازاخستان إلى اتفاقيات التطبيع؟... المزيد
  • 12:20 . "الموارد البشرية والتوطين" تلغي ترخيص مكتب لاستقدام العمالة المساعدة... المزيد
  • 12:17 . تقرير: توقعات إيجابية لنمو اقتصاد الإمارات واستقرار التضخم... المزيد
  • 12:08 . تونس تحكم بالمؤبد على 11 متهماً باغتيال مهندس "كتائب القسام" محمد الزواري... المزيد
  • 12:04 . "صحة" توفر جراحة تفتيت حصى الكلى بالليزر للأطفال لأول مرة في أبوظبي... المزيد
  • 11:51 . الجامعة العربية تدعو للتفاعل الإيجابي مع مبادرة السلام السودانية... المزيد

الغاضبون وقتل الأفكار

الكـاتب : عبد العزيز الحيص
تاريخ الخبر: 14-12-2015


تتعطل الأفكار في مجتمعاتنا بسبب الغضب، فالناس لا تقول أفكارها بصراحة، بسبب وجود صف طويل من الغاضبين، الذين لا يرحبون بالأفكار ومستعدون للذهاب إلى أبعد مدى في الصراع معها، من الطبيعي أن يُسجن الكاتب أو الشاعر بتهمة الهرطقة، أو أن تصدر فتوى أو قرارات فصل ضد إنسان بناء على توجهاته وفكره، مجالس المجتمع نفسها لم تعد فسيحة ومفتوحة لطرح الأفكار، كل هذا بسبب كثرة الغضب والتوجس من الاختلاف والمخالفة، حُقن المتطرفين في مجتمعاتنا أثمرت الخوف والغضب.
المتطرفون هم أكثر من تغضبه الأفكار، وهذا ليس مرده أن الأفكار تستحق الغضب، بل الغضب هو آلية دفاعية لديهم، لدفع الأفكار والابتعاد عنها فقط، هم ابتداءً ليس لديهم رغبة الانفتاح على الحوار والأفكار، فمعرفة طريق الحق في الحياة والأفكار الصحيحة، طريق واضح ومسلم به لديهم. لقد امتلكوه مسبقاً؛ لذا فالأمر لديهم في التفاعل مع الآخر يكمن في توصيل الأفكار والإقناع بها لا أكثر، وليس الأمر إعادة بناء أفكار أو خلق أخرى جديدة؛ ولذا يلجؤون لحيل كثيرة في صراعهم مع الأفكار والتغير الحاصل في المجتمع، وحيلة الغضب هي الأولى في المشهد.
يبدو الأمر أن مجتمعاتنا تبنت آلية المتطرفين، وفسدت المجالس وفقدت رحابتها المعهودة، وضاقت صدور العرب الذين كانت صدورهم منذ وجدوا في هذه الدنيا صدور أحرار وقوم لُقاح، تبنت مجتمعاتنا هذا السلوك الرافض والمستهجِن للحديث التحرري والأفكار التحررية، بدعوى التغريب حينا، أو البدعة والانحراف، والمنابر التي سيطرت لفترة طويلة في مجتمعاتنا نجحت في تسميم وتشويه المفاهيم والقيم المعاصرة مثل الحرية والعدالة والديمقراطية وغيرها، لقد اشتكى الفيلسوف نيتشه وغربيون آخرون من أن التشدد في ثقافتهم منعهم من الاستفادة من ميراث جارتهم الحضارة الإسلامية، ونحن اليوم نعيش نفس الدور الذي عاشوه سابقا، فإن أُسّ التنوير وأساسه دوماً، شجاعة قول الأفكار.
وفي مقال له عن داعش، يتساءل الفيلسوف سلافوي جيجك عن المتطرفين: إذا كانوا يشعرون أنهم توصلوا إلى الحقيقة، فَلِمَ يشعرون بالغضب الشديد من الآخرين؟!، لماذا المتطرف مهووس بالآخرين، وأفكارهم وأفعالهم، ألا يوجد مساحة في العالم تتيح له أن يعيش ويترك المساحة لغيره المختلف معه، فأصحاب الحق الواحد يغضبون من تعدد وجوه الحق؛ ولأن العالم العربي عالم تنظيري من الدرجة الأولى، ولا يوجد فيه تطبيق؛ لأن السلطات لا تسمح، أو لأن الناس تريد فقط ما اعتادت عليه، هنا يسهل في هذا العالم التنظيري أن يجنح أي أحد لأي جهة يريد، ولذا من السهل استخدامه لتفريغ طاقات الغضب والتشفي والصراع، ليس من عادة الغضب إنتاج فكرة سليمة، وأولئك الغاضبون المشحونون دوما لا يمتلكون سلطانا على أنفسهم، فكيف نسلم لهم المجتمعات.
مرحلة الفكر في الدولة العربية الحديثة كانت مرحلة عسرة، فالدولة العربية منذ ولدت قبل أكثر من نصف قرن، وهي سيدة الغضب، واستخدمت أفكارا وخطوطا عريضة ومارست القسر عليها، والتطرف الذي يشيع كثقافة اليوم، إنما وُلِد من قبل متطرفين أفردت لهم الدول المساحات واستغلت وجودهم، طالما ظلوا يخدمونها فيما تريد. الدولة العربية كانت الكيان الغاضب الذي لا يسمح بوجود من يزاحمه، وأصبح الخوف سيد الموقف من أفكار التغيير وأفكار التحرر، بسبب هيمنتها، فالدولة جهاز ضخم ومعقد يطمح للسيطرة، وقد رسمت وضعا قائما صلدا تطمح للمحافظ عليه، ومن أسلحتها فيه تلك النخب المحافظة التي تخيف كل من يطرح أفكار الإصلاح والتغيير، باب واسع من أبواب إفساد حياة العرب عليهم، هو باب الأفكار الغاضبة، تلك الأفكار التي تمر ولا تقف، بل تحطم وتحطم نفسها في الأخير.
إن الثقة هي الزيت الذي يسهل مفاصل حركة المجتمع، وهي أمر رمزي ومعنوي يسهّل كل حركة بين فئات المجتمع وطبقاته، وحين تغيب الثقة تتعطل مفاصل البلد وحياته الاجتماعية، وبلا ثقة يكون كل كيان وفئة اجتماعية مجرد جزيرة معزولة، والغضب والرغبة في السيطرة هي الحاكم بينهم، إن عدم وجود الحوار والتفاعل في المجال العام وأبعاده السياسية والدينية والاجتماعية، ليس من صالح أي مجتمع، ومن اللافت أن مجتمعاتنا اليوم تتملك وسائل ضخمة للتعبير، كالانترنت ووسائل المعرفة الأخرى، لكن في ذات الوقت جو الانفتاح والطمأنينة في عرض الأفكار الجريئة ومناقشتها، لا يزال غائبا بسبب الخوف والتخويف.